دير القمر واحدة من أجمل بلدات لبنان، تتميز بطابع ذي خصوصية عالية. «عاصمة الأمراء»، المستلقية على ارتفاع 850 مترًا فوق سطح البحر، أشبه بمتحف للعمارة والتراث.تاريخيًا، كانت البلدة وعلى مدى أربعة قرون، المركز السياسي والاقتصادي والثقافي الأهم في جبل لبنان، وكانت مقر الإقامة الصيفي للأمراء المعنيين ومركزًا لهم في أثناء حكمهم إمارة جبل لبنان. هذه
دير القمر واحدة من أجمل بلدات لبنان، تتميز بطابع ذي خصوصية عالية. «عاصمة الأمراء»، المستلقية على ارتفاع 850 مترًا فوق سطح البحر، أشبه بمتحف للعمارة والتراث.
تاريخيًا، كانت البلدة وعلى مدى أربعة قرون، المركز السياسي والاقتصادي والثقافي الأهم في جبل لبنان، وكانت مقر الإقامة الصيفي للأمراء المعنيين ومركزًا لهم في أثناء حكمهم إمارة جبل لبنان. هذه الحقبة المتألقة من تاريخ لبنان أورثت الدير، إلى القصور الساحرة، العديد من الأعمال المعمارية البالغة الدقة التي تلمسها بوضوح في البيوت مثل نوافذ المندلون والأقواس وسواها، ومن بين هذه البيوت منزل آل اسطفان نعمة الذي يرقى إلى أوائل نشوء دير القمر.
درّة الجبل تتربّع على عرش الفنّ المعماري اللبناني
بمعالمها الأثرية وعماراتها الجميلة وطبيعتها الخلّابة استحقّت «الدير» (كما يحلو لأبناء منطقة الشوف تسميتها) لقب درّة الجبل. ومن أجل الحفاظ على هذا التراث، تمّ تصنيف بعض المباني والأنسجة التاريخية التقليدية في دير القمر رسميًا، كما أن ملف إدراج الأجزاء التراثية في البلدة على لائحة التراث العالمي قد قطع شوطًا مهمًا وشارف على نهايته. أما الآلية الأهم الموضوعة للمحافظة على تراث دير القمر، فتتمثل في اعتماد البلدية التدقيق في طلبات رخص البناء والترميم، خصوصًا لناحية التزام شروط الجمالية المعمارية، والاندماج مع الموقع.
وفي السياق نفسه تؤدّي جمعية «الأبساد» دورًا مهمًا من خلال مركزها في دير القمر. يقع المركز في بناء أثري يعود إلى القرن التاسع عشر وفق ما تخبرنا مديرة الجمعية رلى حسون التي استقبلتنا مع المسؤولة عن المركز نيللي اسطفان. وقد استملكته «الأبساد» في السبعينيات ورممته، ثم حوّلته إلى مركز ثقافي يشهد العديد من النشاطات الثقافية والفنية والتراثية.
إضافة إلى القصور والمنازل التراثية، تضمّ دير القمر أكثر من موقع أثري، مثل سراي الأمير يوسف الشهابي، وسراي الأمير فخر الدين المعني الثاني، الذي يحتضن اليوم متحف «ماري باز»، الأوّل من نوعه في الشرق الأوسط ويضمّ أكثر من سبعين تمثالًا لأبرز الشخصيات اللبنانية والعالمية صنعت جميعها من الشمع.
تشكّل دير القمر بأحيائها التاريخية القديمة نموذجًا معماريًا فريدًا من نوعه مكوّن من مجموعة أبنية شيّدت في الماضي ضمن أنسجة منسجمة وبقيت مكتملة حتى اليوم. وهي تتميّز بأسواقها القديمة المتعددة والمتنوّعة كسوق النجّارين، وسوق السكافين، وسوق الحرير، وسوق الصاغة، سوق المنتوجات الحِرفية… أصغرها كان يتألف من اثني عشر محـلًا، أما سوق السكافين مثلًا الذي يعود إلى القرن السادس عشر فيضمّ ثمانية وثلاثين محلاً ومحترفًا. التجوّل في هذه الأحياء والأسواق متعة حقيقية خصوصًا أن رئيس مكتب الآثار في دير القمر عبدو بو ناصيف رافقنا خلال الجولة شارحًا أهمية كل مكان أو موقع زرناه.
ساحة الميدان ومسجد فخر الدين
تعود ساحة الميدان التي تتوسطها بركة مستديرة تتغذى من نبع الشالوط، إلى القرن التاسع عشر في فترة حكم المتصرفية، وهي الساحة الرئيسة في البلدة وتعرف اليوم بـ«ساحة داني شمعون».
قرب بركة الساحة المستديرة، يستلقي مسجد الأمير فخر الدين الذي يعود تاريخ تشييده إلى القرن السادس عشر، وهو مسجد متميز بأناقة بنائه ويضم مئذنة ثمانية الأضلاع، يمكن الوصول إليها عبر سلّم مؤلف من خمسين درجة من الحجر. داخل المسجد رسوم هندسية مألوفة في الفنّ الإسلامي كانت مصدر وحي لفنانين إيرلنديين وغيرهم. إضافة إلى المسجد تضمّ بلدة دير القمر سبع كنائس أهمها كنيسة سيدة التلة العجائبية، وأضرحة عدة أشـهـرهـا «ضـريح القبة».
سيّدة التلّة
تمتاز سيّدة التلّة بأنها مقصد أبناء الشوف كلهم من مسيحيين ودروز، فهم يلجأون إليها في مصاعبهم ولاسيما في حال العقم.
بنيت كاتدرائيّة سيدة التلة على أنقاض هيكل وثني روماني أقيم لعبادة الإله «قمر». عُثِر في أنقاض هذا الهيكل على ناووس حجري تحوّل إلى جرن معموديّة بعدما أصبح الهيكل معبدًا مسيحيًا باسم العذراء مريم في العصور المسيحيّة الأولى.
تروي حكاية قديمة يتناقلها أهل دير القمر أن الأمير فخر الدين المعنيّ أمر بإعادة بناء الكنيسة في مكانها الحالي على أثر ظهور ضوء عجيب رآه يشعّ من على التلة المقابلة لبعقلين، حيث كان يقيم. أمر الأمير رجاله بحفر الموقع قائلا لهم: «إذا وجدتم أثرًا مسيحيًا، فشيّدوا هناك كنيسة. وإذا وجدتم أثرًا إسلاميًّا، فشيّدوا هناك جامعًا». بعد التنقيب، عثروا على آثار مسيحّية، فأصدر الأمير المعني أمره ببناء كنيسة على نفقته الخاصّة، وكان ذلك تحديدًا في العام 1673. وفي العام 1760، تمّ ترميم كنيسة سيدة التلّة وتوسيعها نحو الغرب، ثم أضيفت قنطرة جديدة إلى طرفها الغربي في العام 1831.
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *